اخبارفنمقالات

مبادرة “صلها .. تصل” .. الحلقة العاشرة والأخيرة “المتوحشون”

 

مبادرة صلها تصل

بقلم – أ.د. أحمد
يوسف عزت

أحبائي الأعزاء…

نتحدث في (الحلقة
الأخيرة
) من المبادرة، عن الخرافة العاشرة من خرافات قطع الرحم (أعاذكم الله منه)،
والخرافة هذه المرة، مُتَجَسدة في أشخاص يعيشون بيننا، وهم: (المتوحشون).

كل الخرافات التي
ناقشناها على مدار الحلقات التسع السابقة، ورغم كونها بشعة ومقززة، وتؤدي (حتما) إلى
انتهاك (صلة الرحم)، إلا أن (المتوحشين) هم أسوأ وأخطر من كل الذين تحدثت عنهم سابقا،
أولئك الذين يقطعون صلاتهم بآبائهم وأمهاتهم!

هل تصدقون أن إنسانا
ولد من رحم امرأة (وهنا على وهن) حين يكبر يقسو عليها، أو يكيل لها السباب، أو يشمئز
منها في كبرها، ويودعها دارا للمسنين!

هل يمكن أن تتصوروا
معي امرأة كانت تنام على ذراعي أبيها وهي رضيعة، حين تصبح امرأة كبيرة، تضرب أباها،
وتطرده من بيته، قائلة له: “غور يا أخي … أنا قرفت منك، ومن عيشتك!”.

حقا؛ إننا نحيا
في نهاية العالم، عالم مريض ومجنون، يهان فيه الآباء والأمهات على أيدي أبنائهم (في
حياتهم، وربما بعد مماتهم)، إنهم عندي (أكلة الأرحام)، وليسوا قاطعي الأرحام، وحوش
بشرية، مثلهم عندي مثل أكلة لحوم البشر، وحين تقول للواحد منهم: “اتق الله في
والديك!”؛ يبدأ بشرح أسباب أكله للرحم، وهي أسباب (مهما عظمت) لا يمكن أن تؤدي
إلى القطيعة الشنعاء، ومن ذلك:

– أبي رجل قاسٍ
وظالم، لم أرَ منه حنانا ولا عطفا، ولم يكن يعطيني شيئا من المال، كان ينفق أمواله
الزهيدة على ملذاته فقط !

– أمي قلبها كالحجر
الصوان، وكانت تفضل عليّ إختي الثانية، وكانت تتعمد إيقاعنا في بعضنا لتبقى هي المسيطرة
علينا !

– أنا لا أعرف
أبي على وجه الحقيقة؛ لأنه هجرنا منذ كنا صغارا، وانفصل عن أمي، ولا توجد عاطفة بيني
وبينه على الإطلاق (من هذا الرجل؟!).

– أمي ماتت لكنني
لا أحبها، ولا أحمل لها في قلبي أية مشاعر؛ لأنها عذبت أبي، وكانت تتعمد إهانته أمام
أعيننا، وحين مرض أبي؛ تزوجت بشاب يصغرها بسنوات (أمي امرأة حقيرة!).

– أبي كان ينظر
لزوجتي نظرات مريبة، حتى جاءت واشتكت لي أنه تعرض لها (أبي شيخ مجرم).

– أمي تُسِلِّفُ
الناس بالربا، وتعيش دائما على إقراض البشر (بالفَايِظ)، جعلت حياتنا خرابا في خراب
(سحقا لها سحقا).

بالله عليكم، كل
ما سبق وغيره بل وأكثر منه بمراحل (حتى الشرك بالله) لا يمكن أن يؤدي إلى خطر عقوق
الوالدين وقطع أرحامهم. حذار أن يثق إنسان في قاطع أبيه أو أمه؛ فإنه لا يحمل خيرا
لوالديه، فكيف يحمل خيرا لأحد غيرهما (يستحيل ذلك).

والأولى أن تعلموا
أن علاقة الولد بوالديه مسألةٌ تتعلق بالإنسانية المحضَة؛ فضلًا عن أن تكون مسألةً
تحث عليها الشرائع؛ فليس هناك نظامٌ اجتماعيٌّ على مر التاريخ، لم يتمسك بهذه القيمة.

لذا؛ قال الله
(تعالى)، محذرا من المساس بهذه العلاقة، مهما يكن من شيء، في سورة البقرة: [لا تضار
والدة بولدها * ولا مولود له بولده].

ولقد أوجب الله
(تعالى)، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بر الوالدين والإحسان إليهما في مواضع كثيرة،
ومنها قوله العظيم، في سورة الإسراء: [وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه * وبالوالدين إحسانا
* إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما * فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما * قل لهما
قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة * وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا]،
وقرن الشكر لهما، بشكره (سبحانه وتعالى)، بقوله: [أن اشكر لي * ولولديك]، سورة (لقمان)،
وأكد على ذلك كله؛ حتى في حال أمرهما لولدهما بالشرك؛ قال الله (تعالى): [وإن جاهداك
على أن تشرك بي ما ليس لك به علم * فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا].

ولما امتدح الله
(سبحانه) سيدنا يحيى (عليه السلام) قال: [وبَرَّا بوالديه * ولم يكن جبارا عصيا﴾، سورة
(مريم)، وإنما لم يأمر الوالدين بمثل ذلك؛ للاستغناء بالطبع عن الشرع.

والبر بالوالدين
فرض عين؛ فهو عبادة لا تقبل النيابة؛ قال العلامة برهان الدين البخاري الحنفي، في:
(المحيط البرهاني في الفقه النعماني)، ما نصه: “وطاعة الوالدين وبرهما فرض خاص،
لا ينوب البعض فيه عن البعض”.

وفي حديث رسول
الله (صلى الله عليه وسلم)، الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه وأرضاه)،
أنه قال: “رغم أنف (أي: خاب، وخسِر) رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل
دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكِبَر فلم
يدخلاه الجنة). أحبائي الأعزاء، أرجوكم انتهزوا فرصة رمضان، وعودوا إلى آبائكم وأمهاتكم
(مهما غضبتم منهم).

وإنني أناشد الآباء
والأمهات، رفقا بأبنائكم وبناتكم، وكونوا رحماء بهم: “بِر ابنك في صغره … يبرك
في كبرك!”.

الوصية العاشرة:
(لا للمتوحشين في الأرحام).

#صلها_تصل

#رمضان2024_عام_الأرحام

#لايدخل_الجنة_قاطع

أ.د. أحمد يوسف عزت



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى