![]() |
رائعة ألبير كامو كاليجولا |
بقلم – محمد مزروع
قدمت فرقة بيت ثقافة النصرالمسرحية..
العرض المسرحي كاليجولا، عن رواية الكاتب الفرنسي ألبير كامو، ومن إعداد الكاتب
الشاعر/ محمد عبدالهادي، وإخراج / أحمد عجيبة.
تحكي الرواية الأصلية عن كايوس أو (كاليجولا)،
وهو أحد قياصرة روما وأكثرهم وحشية ودموية علي الإطلاق، فهو شخص جمع ما بين الذكاء
الحاد واعتلال النفس المضطرب (السيكوبتايك)، فهو شخص يعاني من اضطراب عقلي مزمن
بسلوك غير طبيعي وعنيف معادي للآخرين ولا يتعاطف معهم، مع عدم الشعور بالندم؛ ومع
ذلك هو دائما ما يبحث عن معني وجوده ويبحث عن النقاء والصدق.
وهذه بداية خط العبثية بالرواية .. تتحول
شخصيته بعد موت أخته التي عشقها بجنون ومارس ساديته المريضة عليها، فعاشرها سفاحا
رغم تحريم وتجريم القانون الروماني لهذه العلاقات.
وتموت الأخت، فيصدم كاليجولا ويهيم علي وجهه
بالمزارع متسائلا عن معني وجوده، ومعني اختفاء معاني الكرامة والنقاء والوفاء فيمن
حوله، لتزداد شخصيته وحشية ودموية، فيهين نبلائه وهم أعضاء مجلس الشيوخ بروما، ويتلذذ
بتعذيب وقتل أي من كان من خاصته أو من عوام الشعب، حتي أنه قتل مزارعا عجوزا دون أي
إثم اقترفه لمجرد التلذذ بفكرة القتل، كل هذا يقابله خوف وصمت مجبون ونفاق واضح من
نبلاء روما من ناحية رهبتهم من طيشه وبطشه، ومن ناحية أخري خوفهم علي مركزهم وسلطتهم
وممتلكاتهم المكتسبة من سرقاتهم وظلمهم للعوام
بعلم القيصر..
فيستغل كاليجولا هذه النواقص بهم ليعتبرهم
جميعا مدنسين وهو الوحيد النقي، فيعلن نفسه إله وله الحق في البطش والعفو والسلطة وله
الحرية المطلقة.
وبنفس الوقت يشعر هو نفسه بالعجز والنقص، فإن
كانت له إمكانية إزهاق روح فليس بإمكانه احيائها !!
ورغم عنفوانه وملكه وسلطته المطلقة، فهو لا
يستطيع الإستحواذ عالقمر لإنه يحبه!!! .. فيتصارع مع نفسه المختلجة المتناقضة
فيزداد دمويه وسادية، حتي يعارضه أكبر النبلاء سنا بعد إقصائه من منصبه، وتعيين
حصان كاليجولا عضوا بالمجلس بدلا منه (قمة العبثية)، فيتزعم هذا النبيل حركه تمرد
تثور علي القيصر بدافع الثأر من طغيانه عليهم، ولوقارهم المهان، وأيضا حفاظا علي
سلطتهم فيقتلوه بالنهاية.
المؤلف يصدر لنا كنظار مضمون له دلالة
وانطباع محيرعن الحاكم الفاسد المتجبر، ويشير لنا علي مصير الصمت والخوف والنفاق
.. فهل نختلف معه كطاغية أم نتعاطف معه كمأزوم ومريض؟
لكن بالنهاية عندما يتمرد الخوف ويثور الصمت
تكون صورة دموية لا محالة ..
وتنتهي الرواية الأصلية.
لنذهب “للدراما تورج” التي وضعها
مع الأشعار الكاتب الشاعر/ محمد عبدالهادي كي تتلائم كنص مسرحي:
– عبد الهادي كمعد يختلف بل يتفرد عن غيره
من المعدين، فهو شخص واسع الإطلاع غزير الثقافة، قارئ ومترجم للروايات العالمية
وصاحب لغة سليمه وبليغة .. لكن !!!
بإعداده لرواية كاليجولا..
أسس لمنهج جديد سيكتب بأسمه تحت مسمي
(التجريب بالدراماتورجيا).
– فمحمد عبد الهادي يكسر القالب التقليدي
بالإعداد المسرحي ليخرج من عبائة المؤلف الأصلي ليضيف شخوص ولوحات درامية ليست
بالنص الأصلي، ولكن لا تخل بحال من الاحوال بمضمون الروايةن وإن خلت من مشاهد قوية
لها رمزيات فلسفية .. أضاف شخصية “لورينا”
الصبية رمز الحب والبراءة والثأر بنفس الوقت، كذلك شخصية “شيريا” الشاعر
لإنها بالأصل النبيل طاعن السن المحرض علي التمرد، ولم يكن شاعرا بل عضو بمجلس
الشيوخ، وكذا تغيير لأسماء النبلاء “كلابيدوس، وأكتافيوس” وهم من آلهة
الرومان ..
بالعموم قدم لنا عبد الهادي “دراما
تورج” لوجبة فلسفية دسمة، لكن سهلة الهضم الفكري.
– المخرج احمد عجيبة:
لنجاح أي مخرج عنصرين مهمين: إختيار نص قوي
واختيار عناصر ممثلين من أصحاب الموهبة القوية.
![]() |
المخرج أحمد عجيبة |
– الفنان المسرحي القديرمحمد حسن:
بدور النبيل الشاعر “شيريا”، زعيم
حركة التمرد الذي أمتعنا بأداء متزن عبقري في التحول والتلون مع كل تفاعل وانفعال
درامي مع الأحداث، بقدرة تمثيلية لا يملكها سوي ممثل معجون بموهبة مصقولة بخبرة مسرحية،
كقبطان المسرح البورسعيدي محمد حسن.
– شادي حامد:
آآآه .. شادي حامد بطل العرض بشخصية “كاليجولا”،
هذا الشاب الممثل لو أتيحت له فرصه عادلة لاعتلي عرش المسرح القومي بقوة خلفا لأباطرته،
كالراحل حمدي غيث، ومحمود يس، وعبدالله غيث، ونور الشريف، فهذا الشاب يمتلك خامة تمثيل
وموهبة عريضة مؤهلة بجميع أدوات الممثل المتمكن، وظهر هذا بتجلي بأدائه لشخصية “كاليجولا”،
وصراعه النفسي المعقد وتلون دوره صعودا وهبوطا في حالات البطش والسادية، وحالات الإنهزام
والعجز الداخلي، مرورا بحالات الجنون والرزانة، فأمتعنا بأداء تمثيلي حرفي ولكن
بنكهة الهواية.
– سارة هاني:
بدور “العشيقة المتصابية”، والذي
قدمته باقتدار وبلغة سليمة وأداء غاية بالروعة، وأجادت استعمال أدوات الممثل المتمكن فاستحقت الإعجاب والإشادة
عن جدارة من كل من شاهدها.
– محمد أبو النور:
بدور “النبيل لبيدوس”، أجاد أبو
النور لعب دور النبيل الأكثر قوة بالنبلاء، وأجاد في استدعاء دموع المشاهدين في
مشهد إنساني هو الأقوي تأثيرا بالمشاهد، فخرج غاية بالروعة التمثيلية.
– أمجد وائل:
بدور “هيليكون” صديق كاليجولا، دور
يحتاج لمهارة بالأداء مع فئة عمرية صغيرة، إستطاع أمجد وائل تطويعه وتمثيله بكل
وقار وحنكة مسرحية، معلنا أن المسرح ببورسعيد مازال يطرح مواهب قلما تجد مثلها علي
مسارح الأقاليم.
– آيه عامر:
بدور “لورينا” الشخصية التي أضافها
المعد لتكون البعد التأثيري الإيجابي بالمسرحية، وهي النور بآخر النفق المظلم
المزخوم بالخيانات والدم، نجحت آيه عامر وباقتدار أن تضع نفسها ببراعة أدائها
كبطله للعرض المسرحي ومحوره الأساسي.
– مجدي الشناوي:
بدور “النبيل ميريا”، المريض بكل
براعة وتوظيفه لأدواته، نجح مجدي بتوصيل رسالته بالعرض وأقنعنا ببراعة أنه شيخ عجوز
مريض رغم أن مجدي مفعم بالحيوية والشباب.
– محمد منتصر:
فنان من زمن الإجادة، بحق ممثل وقور هادئ فاز
به علي المسرح أفعوان متلون دون ابتذال أو افتعال، ممثل بارع ومخضرم.
رائد حجازي:
بدور النبيل “أكتافيوس”، نفذ رائد
حجازي دوره كما لو كان نبيلا حقيقيا دون تجويد أو شطحات، فخرج الدور كما أراد
المؤلف والمخرج فامتعنا كجمهور.
أبرام عياد:
بدور “قائد الجند”، ممثل واعد
متمكن نجح بإظهار نفسه كمستحق للإشادة عن حق عن أدائه.
هويدا السقا:
ملكة كأول تجاربها المسرحية، نجحت هويدا
السقا بأداء “زوجة قائد الجند” ونفذت ماطلب منها بالحرف.
نجح عجيبة باختيارهم مع بقية العناصر
المكملة للعرض المسرحي، ونجح بترجمة رؤية إخراجية للرواية علي مستوي تقني وفني
رائع، وكأنه كان يدخر من تاريخه المسرحي كممثل ومخرج وديعة إبداعية حان وقت أن
ينفقها في إخراج رواية “كاليجولا”، فتبلورت موهبته باختيار مصمم ديكور
مبدع ومميز كالفنان التشكيلي د/ عاطف زورمبة.
نجح زورمبة بديكور بسيط ولكن عبقري، ومدنا
بجو البلاط القيصري من خلال عامودان رومانيان، وعرش ومرآة وشعله مدفأة..
ونجح بغزل مجسم حبال لعنكبوت كبير رمزا للفخ
والمؤامرة التي سيقع فيها القيصر بطل الرواية.
هكذا بكل بساطة عشنا جو البلاط القيصري
الروماني دون تكلف أو تكتل زائد.
كما نجح “عجيبة” بتوظيف عنصر الإضاءة
المتسق والمتفق مع الديكور، ومع شخوص العرض في حالات الحلم وحالات الصراع وصبغته
باللون الأحمر كرمز الدموية وسخونة الأحداث.
قام أعضاء فريق قومية بورسعيد للأداء الحركي بتابلوهات مبهرة التعبير، وكانوا
هم المعادل الموازي لشخوص العرض خاصة معادل “كاليجولا”.
– الرقصات التعبيرية: من تصميم وقيادة شاب
واعد ومرشح بقوة لحمل راية الأداء الحركي مستقبلا، هو كابتن / كريم مصطفي، ومعه
فريقه الرائع: محمد محسن، عبده حسين، وليد رمضان، محمد سليمان، وحمزة أشرف.
– مجموعة عمل كانت خلف نجاح العرض المسرحي
تكونت من:
– تصميم الملابس: صفاء رجب.
– الألحان للفنان: محمد يحيي.
– مدير المسرح: إيهاب فوزي شنودة، يعاونه إدارة
مسرحية مكونة من: ناصر خضر، علي رضوان، أحمد الشامي.
– مخرج منفذ:
أشرف شرف الدين.
– مخرج مساعد: محمد المصري.
– المؤثرات الصوتيه والمكياج:
سما عادل منسي، ومحمد عثمان.
– الإضاءة: محمد المصري، مهيمن هشام.
– صوت: عماد الجانيني.
– شؤن هندسية: جمال سعيد.
– منفذوا ديكور: مهندس/ عوض قنديل، و ميمى
العجيب.