مني الشوربجي تكتب.. إيزادورا شهيدة العشق وهنادي دعاء الكروان من “أرض الحب”
إنه الحب.. سر من أسرار الكون الإلهية..
لا نعرف كيف يحدث ومتى يتمكن بل ويؤثر علي قلب الإنسان ويؤثره.
يحكي على مر العصور حكايات وروايات وأساطير عاشها
البشر ورواها البعض وابتدعها الآخر عن قصص الحب والعشق والغرام فالكل يتفق ويؤمن بجملة
واحدة ألا وهي (لولا الحب ما استمرت الحياة)
…
ظل الحب عند المصري القديم سبيلا لابتكار الأساطير
والأشعار الرومانسية التي يصف فيها الحبيب محبوبته متفاخرا أمام الجميع بحبه لها، مصورا
حبه وعشقه على أوراق البردى وحفر حروفه الوردية على جدران المعابد ومتون الأهرام تخليدا
وإظهارا لإحساسه الجياش الذي يعتريه وقد بلور مشاعره بمختلف المفردات والصور الجميلة،
وكان مهتما بتقديم الهدايا كتقدير للمحبوبة مثل تقديم الزهور والورود الجميلة كتعبيرنا
نحن في وقتنا الحاضر ..
تمتلئ حضارتنا الفرعونية بالعديد والعديد من قصص
الحب والهيام، وكأن الحب عند المصري القديم بمثابة تعويض من السماء عما يعانيه في الأرض
من مرار في معيشته وكأنه هبة سماوية لتتلطف به مسيرة الحياة.
من تلك القصص (أسطورة الخلود) والتي هي من وجهة
نظرى – لولا تدخل الحب ومفرداته ما سطرها التاريخ وما ابتدعها المصريون – وقد مرت بانسيابية
فكرية خيالية شبه فلسفية سابقة للمنهج العقلانى، كي توطد هدفا وقيما ونظام حياة وإرساء
للعدل، ألا وهي أسطورة إيزيس وأوزيريس؛ قصة حب ووفاء الزوجة التي تبحث عن زوجها وكيف
جمعت إيزيس أشلاء أوزيريس – بعد المؤامرة الدنيئة التي دبرها له أخيه ست للإستيلاء
على العرش واغتصاب ملكه – وإعادته للحياة لتحمل وتلد إبنهما حورس، ويحق الحق ويسترد
عرش أبيه وينتصر على عمه.. وهنا نجحت إيزيس فى حبها لأوزيريس..
عرفت الحياة العدالة والمساواة فى الحضارة الفرعونية
وسميت بقانون (ماعت) وأساسه كان الحب.
يسير بنا التاريخ للملك (أمنحتب الثالث) والذي
عشق وتيم بحبيبته (تي)، وبالفعل تزوجها بالرغم من تهديد عرشه حتى سمي ب (سيد العاشقين)،
وكان زواجه منها بمثابة تحدي لكل القيود لأنها كانت (بنت الشعب) ولا تحمل دما ملكيا،
والدها ضابط بالجيش ووالدتها تعمل بالمجال الدينى، وبرغم كل هذا إلا أنه رفعها لمرتبة
الزوجة الكبرى وقام بتدوين إسمها على العديد من الوثائق والجعارين، وأقام لها تمثالا
بنفس حجم تمثاله ويعتبر من أضخم تماثيل الفن المصري، وأقام لها معبدا بإسمها وقد شاركته
في حكم الإمبراطورية والحياة الدبلوماسية..
قصة أخرى من أجمل القصص الفرعونية التي كللت بالزواج
أيضا وهي قصة أمنحتب الرابع أو (إخناتون) ونفرتيتي وقد خلدتها جدران المعابد، وكيف
ساندته فى دعوته الجديدة وصورت معه على جدران المعابد أثناء عبادته للإله الواحد “آتون”.
والملك رمسيس الثانى ونفرتاري الذي أحبها حد العشق
وبنى لها معبد أبي سمبل بأسوان.
حتى طبقة الشعب لم تسلم من ذائقة الحب، وفيها
أشهر قصة عشق بين مطرب البلاط الملكي (كاهاي) و(ميريت إيتس) كاهنة فى معبد آمون، حيث
سجلت إحدى المقابر بمنطقة سقارة نظرتيهما لبعضهما حيث سجلت الجدارية تحديق الزوجين
بكل حنان وفيض من مشاعر بقوة الإحتواء ولهيب الحب..
وكما توجت قصص الحب بالزواج فمنها لم تتوج به
بل انتهت بمأساة.. قصة شهيدة الحب الفتاة (إيزادورا) التي خلدها التاريخ وروت مرثية
لها على جدار مقبرتها – التي بناها لها والدها فى تونا الجبل فى المنيا – على لسانه
أنها كانت خطيبة لضابط يسكن بالبر الغربي وهي تقطن البر الشرقي مع والدها، وأثناء زيارتها
لخطيبها بقاربها فى النيل هامت به وكان ناظرا لها بالبر الآخر فانصرفت عن التجديف ووقعت
في النيل.. ألقى بنفسه فى النيل لإنقاذها ولكن دون جدوى وماتت غرقا.. مما أوجع والدها
والذى – قيل أيضا أنه رفض زواجهما – قام الأب بتحنيط جثة إبنته.. وأصبحت مومياء إيزادور
فتاة الثامنة عشر مسجاه على سرير داخل المقبرة مزارا يتبرك به كل عاشق وكل من يمر عليها
لزيارتها .. حتى قيل أنه من يمر فى وقت الشتاء؛ سريعا ما يشعر بالدفء وكأن الفتاة أدفأت
موطن رقدتها بحرارة عشقها..
وشغف بها عميد الأدب العربي واستلهم شخصية هنادي
فى دعاء الكروان من قصة أيقونة العشق (إيزادورا).. وأقام لنفسه استراحة بجوارها ليقضي
أياما من فصل الشتاء.
– كان الحب قديما بمثابة استلهاما للقوة بعد الموت،
لذا عبر عنه الأجداد بأنه ليس بخطيئة بل شئ عظيم يستحق أن يخلد، ويستحق أن يمنح مكانته
اللائقة الحقيقية كى يتعلم الأحفاد..
قال الحكيم المصري (سنوهي): سكن الجمال ديار مصر
وأبى ألا يبرحها إلا على جناح الحب.. جعلت تلك المقولة المؤرخين يطلقون على مصر…
“أرض الحب“
بقلم الإعلامية – مني الشوربجي
![]() |
مني الشوربجي |