“حكايات عم شلبي”.. تأليف حسن خلف حسين
الحلقة الثامنة
لا مفر من الذهاب حيث سكن العم شلبي الغاضب منى
ووصفى وأمثالى بالمتخاذلين تجاه قضايا ثقافية أهمها أرض المتحف المغتصبة وتحويلها لأبراج
سكنية، وهذا لم يحدث في تاريخ مصر أم الحضارات، حتى أيام الإستعمار، ناديت بصوت مخنوق
خوفًا أن يلقانى بوجه غاضب ويصب علىّ بعض أوجاعه، إذا بى أسمع صوته يجيب (أفندم) وخرج
متهللًا فرحًا يضمنى إلي روح الأصالة وبئر المودة الذى لا ينضب، والرجولة بمعناها الذى
يضم البشرية جمعاء، حفاوة راقية شجعتنى بعد خوف فقلت:
– شلبوكة إنت امبارح سِخنت والمية فارت فى نافوخك،
حبيت اهديك قلبت عليا وشوطت فيا كام جون خلتنى شوربة وشورك.
(وجهه
فى الأرض مع دمعات تحجرت تخشي الانزلاق من علِ):
– (صوت متقطع) بقولك إيه إرحمنى وبلاش عذابك الهادى
ده، متنساش ان قولتلك إنى ساعات “هبلة “، عايز تتحملنى عيونى، مش قادر شوف
طريقك يا غزال (بجدية)
(أشفقت
عليه وقلت بينما أطبطب على كتفه بحنان):
– هاتحملك يا شلبوكة وربنا يعينى عليك، بس انا
مالى ومال المتحف؟
– (مندفعاً) خليك كدة تقول انا مالى انت وغيرك،
يهدوا تاريخ بلد تقول انا مالى، يهربوا تمثال ديليسبس فى العتمة تقول انا مالى، يهدوا
بيوت العرب والإفرنج القديمة اللى كلها شياكة وجمال، ناقص عليهم يربطوا بورسعيد من
الجناب ويسحبوها ويرموها فى البحر المالح، مش عارف يا أخى تعباهم فى إيه عشان الكلكعة
دى، وتيجى حضرتك تقولى أنا مالى؟ شكلك كدة هتزعل منى تانى.
– (بلطف) عندك حق يا شلبوكة بس بصراحة أنا جاى
اراضيك وعايز أخذ منك المفيد والخبرة فى رحلاتك حوالين العالم..
(قاطعني بحزم):
– أهم من الخبرات غيرتك على بلدك وتاريخها، ماهو
اللى زيك لو كنت فى الجيش أيام النكسة وأيام العبور، كان يبقى عندك إحساس تانى خالص،
عشان متزعلش منى هاكملك حكاياتى وانا مخنوق منك و….
– إهدا يا شلبوكة وبلاش الكهربا الزايدة دى، ولو
هاتتقل عليا وانا خانقك بناقص(دلال)…
– أنا ماصدقت الاقيك، إنت طيب وبتفهم شوية، أنا
هحكيلك، يلا بقي نروح “الخون” بتاعنا ونكمل لأن الأوضة اللى قاعد فيها مش
قد المقام ويمكن يطب علينا شريك السكن المدير العام السابق، تسمعه وهو بيستفرغ كلام
يقرف منه الخنزير الحامل فى توأم هههههه، (يلف يديه بحنان حول وسطى أثناء السير حتى
المقهى وأشعر بصدق الحب الذى جمعنا من غير موعد، وأشعل سيجارته الفقيرة فى ثلاثة أنفاس
متلاحقة وقال وهو يتفحص وجهى بمودة:
– أنا روحت المتحف البريطانى دخلت مبهور بالآثار
والتحف اللى فيه، تخيل ولا حتة آثار معروضة ليها صلة بالتاريخ الإنجليزى كلها مسروقة
من مصر والعراق والهند، واحنا هنا يا نرمى تماثيل حضارتنا فى المخازن يا إما نهدم متحف
وبرضه، ونحط برضه الآثار اللى فيه فى المخازن لغاية ما ييجى حد يسرقها.
(قاطعته
لإن حرارته ارتفعت) وقلت:
– خلاص يا شلبوكة، ياللا بقى ندخل فى رحلاتك الوقت
بيسرقنا..
(رمقني
بنظرة يأس منى معناها مفيش فايدة وقال):
– وانا في الهند نزلت ولاية “بومباي”
مشيت فى السوق اشتريت إزازة ريحة ماركة ون مان شو، بعد ما شمتها لقيتها جامدة أصلي،
خدتها وروحت المركب فتحتها لقيتها مية اتجنيت وقلت ضحك عليا الهندي، طلعت جرى على مخبر
واقف فى السوق، قالى روح للبياع واقف عنده وانا متابعك، زى الصاروخ إجه ع البياع وفِى
إيده عصاية كسرها عليه وأخدت فلوسى، كنا بنحمل من هناك ديناميت نوديه إيران بندر عباس
أيام الشاه، أول ما ندخل الغاطس يستقبلنا تلات لنشات بوليس يدخلونا المينا “فوريرة”…
(بحماس منى زائد قلت):
– يعنى انت روحت إيران يا شلبو؟
(نظرة
منه توحى إنى عبيط وأكمل):
– لما نزلت بندر عباس في إيران العيال البحارة
اللى معايا اتهبلوا بجمال النسوان هناك، لقينا محلات ضخمة فاتحة أبوابها بحراسة الشرطة
وتحافظ على الأمانات اللى مع الزباين ناخدها واحنا طالعين، أمان يا جدع هاهاها، أنا
روحت اتفرج بس والله، وفى نفس الوقت خايف على صحابى، طول ما انا ماشى الاقي صورة الشاه
وإبنه ومراته، تحس ان الشعب بيقدسهم زى البقرة في الهند هاهاااااو، إنت عارف لو فيه
بقرة ماشية فى السوق فى الهند ولا مؤاخذة اتبولت قدام محل يا هناه وسعده، الحمدلله
علي نعمة الإسلام و…
(يدعك
رأسه بيديه ويفرك عينيه العسليتين باحمرار ويقول لنفسه بصوت عالي):
– إيه اللى انا بقوله ده ؟، هقوم انام عشان بصلى
الفجر واستعد من الساعة 3، وحياة ولادك متزعلش منى
بقلم
الكاتب والروائى/ حسن خلف حسين
![]() |
الروائى حسن خلف |