فن

“حكايات عم شلبي”.. تأليف حسن خلف حسين

الحلقة الخامسة

الأيام تمضي فمن يجرؤ أن يُسطر كلمات النهاية؟

لم يأتينى الغالى عم شلبي كما عودنى أن ألتقي بقلب حنون ودموع تنساب دون تحكم فور ذكر الوجع والفرح حد السواء، غيابه عنى الأيام الثلاث يقتلنى، فأمسكت بسوط ضميرى أجلد به عقلى بعد تعريته من ثياب الجهالة وضيق الصدر عند سماع أوجاع العم شلبي، غرقت فى الندم بعد الأوان كعادتى وأتساءل ماذا يضيرنى إذا سمحت له أن يتحدث عن قطة (السلم) وعن جاره المزعج اللاسع الملسوع في نافوخه.

يبدو أن طيب نواياى حضرت الآن فقط لأجد حبيبى
شلبوكة يدغدغ كتفى كعادته، إبتلعت ريقي الجاف سريعًا مرات وقلت له مبتسمًا بنظرة زائغة
ثم وقفت مهللًا كالعبيط:

– شلبوكة يا جبان وحشتنى ثم ألقيت بنفسى بين ذراعيه

    (تأكدت
من بلاهتى السودة من نظرته وقال بهدوء):

– وانت كمان وحشتنى يا أستاذ (إبتسامة عريضة)

  قلت
فى نفسى وقت الصحصحة:

 (سلامًا
على من يبتسم وفي داخله جنازة للأحلام) ، بروح المودة قلت معاتباً:

– قلقتنى عليك يا جميل، ممكن تطمني على قطة السلم
المقهورة من جارك المدير العام الرخِم ؟

    (نظرة
إعجاب ورضا تكفى الإنسانية بأثرها وقال):

– كانت حامل والحمد لله ولدت وبنتها جميلة أبيض
فى اسود وفى حضنها طول اليوم، وانا مستغرب يا أخى خايف يكون باقى خلفتها ماتوا.

– حمدًا لله على سلامتها، ربنا يطرح فيها البركة
(ضحكة رخمة منى يعنى ده سبب غيابك عنى ؟ كخخخخخخ.

    (نظر
إلي نظرة عتاب الحبيب فسقطت فى جواربى خجلًا منه، ففهمت غلاستى الطين، ثم سألته:

– على كده بتاكل إيه ؟

– من شوية أكلتها زبدية وحتة جبنة شيدر لأنها
بترضع ومحتاجة غذا، إنت عارف جارى كان جايب بطيخ لهط البطيخة على قلبه وراح يحطلها
القشر، نظرت إليا نظرة وهي قرفانة منه وكأنها بتشكيلى غباوته، آه والله زى ما حصل كدة
(ضحكة عالية ويلوح بيديه في الهواء ويقول):

– بذمتك شفت قطة تاكل قشر بطيخ، ( في سخرية) طب
كان يسقع قشر البطيخ فى الحر ده “قهقهة”.

    (جاملته وضحكت ثم سألته لأن الخنقة على الأعتاب):

– إنت حضرت معركة 56 الحرب علي بورسعيد ؟

    (أعجبه السؤال جدًا وانبرى):

– كان عندى 12 سنة يعنى كنت ولد بافهم ومفتح وكنت
اقف مع ابويا الله يرحمه وهو بيوزع البنادق على رجالة المنطقة، وكانت البنادق جيالة
على عربية كارو فاكر خمسين بندقية وزعهم للناس قدامى بالعدد، أقولك الغريب إن بعد ما
خلصت الحرب جمع البنادق كلها ولا واحدة ناقصة، شوفت أمانة الرجالة وحلاوتهم (سرح قليلًا
يتذكر وقال بفخر):

– أُمى الله يرحمها فصّلت لى أنا واخواتي بيجامات
من قماش البراشوتات الإنجليزى كانت ناعمة حرير، وكانت تعمل منشر غسيل جامد من حبال
البراشوت، يعنى بعد ما كان البورسعيدية يموتوهم كانوا يستفيدوا منهم (هاهاهاهاها)

    (بادلته ضحكات الفخر بأهل مدينتى وقهقهت معه بل
وصافحته بقوة فرأيت إشراقة وجهه مع هذه الذكري).

– غلاستي تطفح رغم عني وأسأله ببرود:

– على كدة يا حاج شلبوكة مفيش حتة عن رحلاتك البحرية
للصين ؟

 رد وهو
يجز على فكيه شبه الفارغين وقال:

– هريحك عشان بحبك، وانا صغير كنت “بسرح”
مع اخوالى فى الكنال نفس لنش تموين السفن، نجيب المون اللى عايزاها المراكب، طبعًا
فاهم؟، ما علينا كنت بشوف الصينيين وهمًا لابسين الطواقي الكبيرة وخايف منهم، كنت متخيل
انهم دول اللى بياكلوا البشر، لغاية ما روحت بلادهم لقيتهم شعب طيب ومؤدب، حتى من أدبهم
بياكلوا بعصايتين بالراحة مش زينا بالكوريك هههههه، يا أخى ناس بينفذوا تعليمات ديننا
الجميل فى الأكل واحنا بنحب اللهط (قهقهة).

    (نظر إلى متفحصًا وجهى وقال):

– أنا حاسس انى رغاى، أعمل إيه ف نفسى يا ربى،
وحياة أبوك ما تزعل منى، إعتبرني أخوك الصغير هههههه، ربنا يعينك عليا.


بقلم الكاتب والروائى/ حسن خلف حسين



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى